بقلم أ. مصطفى طه باشا
في
قلب الزمان, هناك لحظات تبقى محفورة في الذاكرة, لا تمحوها السنون ولا تعصف بها
العواصف, هكذا هو شعور الكثير من السوريين حين تطأ أقدامهم أرض الوطن بعد غياب,
وكأنهم لا يعودون إلى مكان فقط, بل يسافرون عبر الزمن إلى ما قبل العام 2010 إلى
تلك الأيام التي كان فيها الأمان يسكن الأحياء, والطمأنينة تملأ البيوت, والناس
يعيشون بقلوب مطمئنة ووجوه باسمة.
السكينة
اليوم, لم تعد مجرد حلم, بل أصبحت واقعًا يتشكل بهدوء, شيئًا فشيئًا, كثير من
السوريين العائدين من الغربة, يصفون مشاعرهم وكأنهم يعودون إلى لوحة قديمة من
طفولتهم, إلى رائحة الخبز في الفجر, وضجيج المدارس صباحًا, وجلسات العائلة تحت ضوء
الكهرباء المستقر, لم تعد العودة مجرد عودة جغرافية, بل هي عودة وجدانية إلى الذات,
إلى الجذور, إلى الوطن كما عرفوه ذات يوم, إن من يزور دمشق اليوم, أو يسير في أسواق حلب, أو يصعد
جبال اللاذقية, أو يمشي بين أشجار زيتون إدلب, يلحظ كيف بدأت الحياة تدبّ من جديد
في تفاصيل كانت قد خمدت, الأطفال يلعبون في الأزقة, المحال تفتح أبوابها باكرًا,
والمزارعون يعودون إلى أراضيهم بأمل كبير, مشاهد تعيد للذاكرة صور الزمن الجميل,
وكأن عجلة الحياة قررت أن تعكس اتجاهها, لتأخذنا في رحلة عودة إلى ما كان, وربما تكون السكينة الحقيقية اليوم, ليست في
استرجاع ما مضى فحسب, بل في ترميم الحاضر بروح الماضي, وفي أن نجد فينا القوة
لنصنع مستقبلاً يحمل من الطمأنينة ما يكفي لجيل جديد, لم يعش تلك الأيام, لكنه
يستحق أن يشعر بها.
سورية
كما يراها العائدون, ليست مجرد وطن؛ إنها حضن دافئ, وذكرى حيّة, ووعد صادق بأن
الخير يمكن أن يعود, وأن الحياة, بكل ما فيها من ألم, قادرة على منحنا فرصة أخرى
لنبدأ من جديد.